السيرة الذاتية الرئيس عبد الفتاح السيسي
عبد الفتاح السيسي هو الرئيس السادس لجمهورية مصر العربية وأحد الشخصيات العسكرية والسياسية البارزة في تاريخ مصر الحديث. منذ توليه الرئاسة في عام 2014، أثار السيسي العديد من النقاشات حول سياساته الداخلية والخارجية، إلى جانب دوره في إعادة تشكيل المشهد السياسي المصري بعد فترة من الاضطرابات التي تلت ثورة 25 يناير 2011. في هذا المقال، سنستعرض مسيرة عبد الفتاح السيسي بالتفصيل، بدءًا من نشأته وتكوينه العسكري، وصولاً إلى دوره في الجيش المصري، وقيادته البلاد بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، وأبرز السياسات والقرارات التي اتخذها خلال فترة رئاسته.
وكالة الفيزا نيوز | السيرة الذاتية الرئيس عبدالفتاح السيسي |
أولاً: النشأة والخلفية الأسرية
ولد عبد الفتاح سعيد حسين خليل السيسي في 19 نوفمبر 1954 في حي الجمالية بالقاهرة القديمة. ينتمي إلى عائلة مصرية تقليدية من الطبقة المتوسطة. كان والده يعمل في مجال التجارة، ويمتلك محلاً لبيع الأدوات المنزلية. نشأ السيسي في بيئة محافظة وقريبة من الأحياء الشعبية، حيث تأثر منذ صغره بالقيم الاجتماعية والدينية التي سادت في تلك الأحياء.
ثانياً: التعليم والتكوين العسكري
بعد إنهاء دراسته الثانوية، التحق السيسي بالكلية الحربية، حيث تخرج منها عام 1977 برتبة ملازم ثاني. خلال مسيرته العسكرية، أظهر السيسي اهتمامًا بالتعلم والتدريب المتواصل، حيث التحق بالعديد من الدورات العسكرية داخل مصر وخارجها. حصل على درجة الماجستير في العلوم العسكرية من كلية القادة والأركان المصرية في عام 1987، ثم حصل على ماجستير آخر من كلية القادة والأركان البريطانية في عام 1992.
كما حصل على دورة متقدمة في كلية الحرب العليا بالولايات المتحدة الأمريكية في عام 2006، مما ساعده في تكوين فهم عميق للقضايا العسكرية والأمنية على المستوى الدولي. هذه الخلفية الأكاديمية المتنوعة منحت السيسي خبرة واسعة في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، وساهمت في صقل مهاراته القيادية.
ثالثاً: الصعود داخل الجيش المصري
خلال مسيرته العسكرية، شغل السيسي عدة مناصب قيادية في القوات المسلحة المصرية، منها قيادة فرقة المشاة الميكانيكية، والعمل كملحق عسكري في السفارة المصرية في السعودية. هذه المناصب ساعدته على بناء شبكة من العلاقات داخل الجيش وخارجه، وأكسبته سمعة جيدة بين زملائه وقادته، في عام 2010، عُيّن السيسي مديرًا لإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، وهو منصب حساس ومهم داخل الجيش المصري. خلال فترة عمله في هذا المنصب، كانت مصر تشهد اضطرابات كبيرة، حيث اندلعت ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك. لعبت المخابرات الحربية دورًا مهمًا في متابعة الأحداث وتحليلها، ما جعل السيسي في موقع مؤثر خلال هذه الفترة الحرجة.
رابعاً: الدور في عزل محمد مرسي
بعد الثورة، تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة البلاد لفترة انتقالية، ثم جرت أول انتخابات رئاسية ديمقراطية في مصر عام 2012، والتي أسفرت عن فوز محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين. في أغسطس 2012، عيّن مرسي عبد الفتاح السيسي وزيرًا للدفاع وقائدًا عامًا للقوات المسلحة، ليصبح بذلك أصغر من تولى هذا المنصب في تاريخ مصر، خلال فترة حكم مرسي، شهدت مصر حالة من الانقسام السياسي والاضطرابات الداخلية، مما أدى إلى تدهور الوضع الأمني والاقتصادي. في 30 يونيو 2013، اندلعت مظاهرات حاشدة تطالب بعزل مرسي، وبدعم من الجيش، أطلق السيسي "خارطة طريق" سياسية تضمنت عزل مرسي من السلطة وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا عدلي منصور كرئيس مؤقت.
هذا القرار أدى إلى تصعيد التوترات بين مؤيدي مرسي ومعارضيه، وبلغت الأزمة ذروتها في أغسطس 2013 مع فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، مما أسفر عن مقتل المئات من المحتجين وأدى إلى انتقادات واسعة على الصعيد الدولي.
خامساً: تولي الرئاسة
بعد عزل مرسي، تزايدت شعبية السيسي بين قطاعات واسعة من المصريين الذين رأوا فيه منقذًا للبلاد من الفوضى. في مارس 2014، أعلن السيسي استقالته من منصبه كوزير للدفاع وترشحه للرئاسة. في الانتخابات التي جرت في مايو 2014، فاز السيسي بنسبة تجاوزت 96% من الأصوات، ليصبح الرئيس السادس لجمهورية مصر العربية.
سادساً: السياسات الداخلية
1. **السياسات الاقتصادية**
منذ توليه الرئاسة، واجه السيسي تحديات اقتصادية كبيرة، أبرزها ارتفاع معدلات البطالة، وتراجع قيمة الجنيه المصري، وارتفاع الدين العام. للتعامل مع هذه الأزمات، أطلق السيسي عدة مبادرات إصلاحية، كان من أهمها برنامج الإصلاح الاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي. تضمن البرنامج تحرير سعر صرف الجنيه، وتخفيض دعم الطاقة، وزيادة الضرائب، مما أدى إلى ارتفاع كبير في تكلفة المعيشة، لكنه ساهم أيضًا في استقرار الاقتصاد الكلي وزيادة احتياطيات النقد الأجنبي.
كما أطلق السيسي مشاريع قومية ضخمة تهدف إلى تحفيز النمو الاقتصادي، مثل مشروع توسعة قناة السويس، وإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، وشبكات الطرق والكباري الحديثة. ورغم الانتقادات التي وجهت لبعض هذه المشاريع بسبب تكلفتها العالية وتأثيرها المحدود على حياة المواطنين اليومية، إلا أنها ساهمت في خلق فرص عمل وتحسين البنية التحتية في البلاد.
2. **الأمن ومكافحة الإرهاب**
تعتبر مسألة الأمن ومكافحة الإرهاب من أهم أولويات السيسي منذ توليه السلطة. في شمال سيناء، خاضت القوات المسلحة المصرية حربًا طويلة ضد الجماعات المسلحة، خاصة تنظيم "ولاية سيناء" التابع لتنظيم داعش. أطلق السيسي عدة عمليات عسكرية واسعة النطاق للقضاء على هذه الجماعات، وحقق الجيش نجاحات ملحوظة في تقليص نشاطها.
كما اتخذ السيسي إجراءات صارمة لتعزيز الأمن الداخلي، منها تعزيز دور الشرطة وتوسيع صلاحياتها، ومكافحة التطرف الديني. ومع ذلك، واجهت سياساته الأمنية انتقادات من بعض المنظمات الحقوقية الدولية التي اتهمت الحكومة المصرية بتقييد الحريات العامة وقمع المعارضة السياسية.
3. **الإصلاحات السياسية والدستورية**
فيما يتعلق بالإصلاحات السياسية، شهدت مصر خلال فترة حكم السيسي تعديلات دستورية هامة، من بينها تعديل يسمح له بالترشح لولاية رئاسية ثالثة حتى عام 2030. هذه التعديلات أثارت جدلاً كبيرًا داخل مصر وخارجها، حيث اعتبرها البعض خطوة نحو تكريس السلطة في يد السيسي وتقويض الديمقراطية.
سابعاً: السياسات الخارجية
1. **العلاقات مع الدول العربية**
على الصعيد العربي، حافظ السيسي على علاقات قوية مع دول الخليج العربي، خاصة السعودية والإمارات. دعمت هذه الدول مصر ماليًا وسياسيًا بعد عزل مرسي، وشكلت تحالفًا إقليميًا مع مصر لمواجهة التحديات المشتركة، مثل تهديدات إيران والتطرف الديني. كما لعبت مصر دورًا مهمًا في الأزمات الإقليمية، مثل الأزمة الليبية، حيث دعمت الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر في مواجهة حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا.
2. **العلاقات مع القوى الكبرى**
على الصعيد الدولي، اتسمت سياسة السيسي بالتوازن بين القوى الكبرى. عمل على تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، التي تعتبر شريكًا استراتيجيًا لمصر منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1979. كما نجح في توسيع العلاقات مع روسيا، التي زارها عدة مرات ووقع معها اتفاقيات في مجالات الطاقة والدفاع.
بالإضافة إلى ذلك، سعى السيسي إلى تعزيز علاقات مصر مع الصين والاتحاد الأوروبي، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية لدعم الاقتصاد المصري. رغم التحديات التي واجهتها مصر في العلاقات الدولية، خاصة بعد الانتقادات التي تعرضت لها الحكومة بسبب أوضاع حقوق الإنسان، إلا أن السيسي استطاع الحفاظ على دعم دولي كبير، خاصة من الدول التي ترى في استقرار مصر ضرورة لأمن المنطقة.
ثامناً: الأزمات والتحديات
1. **سد النهضة**
يُعتبر ملف سد النهضة الإثيوبي من أبرز التحديات التي واجهها السيسي خلال فترة حكمه. يمثل السد، الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق، تهديدًا كبيرًا لحصة مصر من مياه النيل. حاولت مصر بقيادة السيسي التوصل إلى حل دبلوماسي من خلال المفاوضات، لكن دون تحقيق تقدم ملموس. هذا الملف لا يزال يشكل تحديًا استراتيجيًا لمصر، وسط مخاوف من تأثيرات سلبية كبيرة على الزراعة والموارد المائية في البلاد.
الوضع الحالي والآفاق المستقبلية
منذ توليه السلطة، ظل عبد الفتاح السيسي شخصية محورية في السياسة المصرية، حيث يواصل تطبيق سياسات تهدف إلى استقرار البلاد وتنميتها. يتوقع أن يستمر في تنفيذ مشروعاته الكبرى ويواجه التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في السنوات المقبلة.
في الوقت نفسه، لا تزال القضايا المتعلقة بالحقوق والحريات تثير جدلاً محلياً ودولياً، مما يجعل المستقبل السياسي لمصر مرتبطاً بقدرة السيسي على تحقيق توازن بين التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي، مع الاستجابة لمطالب المجتمع الدولي والمحلي.
خاتمة
عبد الفتاح السيسي هو قائد أثار جدلاً واسعاً في مصر والعالم. تولت حكمه البلاد في فترة مليئة بالتحديات والاضطرابات، وقد كانت سياساته وتأثيره على الشأن الداخلي والخارجي موضع اهتمام كبير. تظل سيرة السيسي مسألة محورية في دراسة الوضع السياسي والاقتصادي لمصر، وتأثيراته على مستقبلها.