السيرة الذاتية للفريق سعد الدين الشاذلي

 اللواء سعد الدين الشاذلي هو أحد الشخصيات العسكرية البارزة في تاريخ مصر المعاصر، والذي لعب دوراً محورياً في حرب أكتوبر 1973. وُلد في 1 أبريل 1922 في قرية شبراتنا بمحافظة الغربية، مصر، وكان له دور كبير في تحديد ملامح القوات المسلحة المصرية خلال فترة حرجة من تاريخ البلاد. بالرغم من إسهاماته الكبيرة، إلا أن مسيرته كانت مليئة بالتحديات والمحن، والتي أثرت في حياته المهنية والشخصية. في هذه المقالة، سنتناول بالتفصيل حياة سعد الدين الشاذلي، ومسيرته العسكرية، ودوره في حرب أكتوبر، والخلافات التي نشأت بينه وبين القيادة السياسية المصرية آنذاك.

وكالة الفيزا نيوز | السيرة الذاتية اللواء سعد الدين الشاذلي

نشأته وبداياته العسكرية

وُلد سعد الدين محمد الشاذلي في قرية شبراتنا، محافظة الغربية في مصر، في 1 أبريل 1922. كان والده ضابطاً بالجيش، وهو ما جعل سعد ينشأ في بيئة عسكرية، مما أثر على توجهاته المستقبلية. انضم إلى الكلية الحربية في عام 1939 وتخرج منها برتبة ملازم في يوليو 1940. خلال مسيرته العسكرية، أظهر الشاذلي مهارات قيادية متميزة وأثبت جدارته في مختلف المناصب التي شغلها.

 مشاركته في الحروب الأولى بعد تخرجه، شارك الشاذلي في الحرب العالمية الثانية، حيث خدم في الصحراء الغربية. بعد ذلك، شارك في حرب 1948 في فلسطين، حيث تميز بشجاعته وكفاءته. لاحقًا، شغل مناصب مختلفة في الجيش المصري، وعُرف بمهاراته الاستراتيجية والتكتيكية، في الخمسينيات، أُرسل الشاذلي إلى فرنسا للتدريب مع القوات الفرنسية، وهو ما أتاح له فرصة الاحتكاك بالعقائد العسكرية الغربية الحديثة. عاد إلى مصر ليصبح أحد أبرز الضباط في الجيش المصري وكان محبوبا من زملائة وكان قائد عرمرم في الجيش.

 تأسيس قوات المظلات

في الخمسينيات، أسس سعد الدين الشاذلي أول وحدة مظلات في الجيش المصري، وذلك بعد تدريبه في فرنسا. أدرك الشاذلي أهمية وحدات المظلات في الحروب الحديثة، وعمل على تطويرها لتصبح أحد أهم أفرع القوات المسلحة المصرية. تحت قيادته، أصبحت وحدات المظلات قوة ضاربة تعتمد على المرونة وسرعة الحركة في العمليات العسكرية.

خلال حرب يونيو 1967، شغل الشاذلي منصب قائد لواء المظلات، وهو اللواء الذي كان يضم قوات نخبة في الجيش المصري. كانت الحرب صدمة كبيرة للجيش المصري حيث تكبدت القوات المصرية خسائر فادحة، وتم احتلال شبه جزيرة سيناء من قبل إسرائيل. ورغم الهزيمة، فإن الشاذلي أثبت شجاعة كبيرة في الدفاع عن مواقع قواته.

دوره في حرب الاستنزاف

بعد الهزيمة في حرب 1967، كانت مصر بحاجة إلى إعادة بناء جيشها وتخطيط هجمات ضد القوات الإسرائيلية المحتلة في سيناء. كانت هذه الفترة تعرف بحرب الاستنزاف (1967-1970)، والتي شهدت عمليات عسكرية متقطعة بين الجيشين المصري والإسرائيلي، في هذه المرحلة، شغل الشاذلي منصب قائد القوات الخاصة المصرية، حيث لعب دوراً رئيسياً في تنظيم وقيادة العمليات ضد القوات الإسرائيلية على طول قناة السويس. كانت هذه العمليات تهدف إلى إضعاف العدو وتعزيز الروح المعنوية للقوات المصرية وكان دورة كبير و له خطط عسكرية محكمة مع عدد كبير من أكفاء الضباط والجنود.

رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية

في مايو 1971، عُين الشاذلي رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة المصرية، ليصبح بذلك المسؤول الأول عن تخطيط العمليات العسكرية في الجيش المصري. عمل الشاذلي عن كثب مع الرئيس المصري أنور السادات ووزير الدفاع أحمد إسماعيل علي لتحضير الجيش لحرب جديدة مع إسرائيل.

دوره في حرب أكتوبر 1973

حرب أكتوبر 1973 تُعد واحدة من أبرز المحطات في حياة اللواء سعد الدين الشاذلي. كان له دور رئيسي في التخطيط للعبور العظيم لقناة السويس، والذي كان الهدف الأساسي للعملية. وقد تمثلت استراتيجيته في استخدام عنصر المفاجأة وتحقيق تفوق تكتيكي من خلال الهجوم المتزامن على عدة محاور.

التخطيط للعبور

كان الشاذلي مصمماً على استخدام خطة تتناسب مع قدرات الجيش المصري وتجنب الأخطاء التي وقعت في حرب 1967. اقترح خطة العبور التي اعتمدت على تجهيز الجيش المصري لشن هجوم مفاجئ على القوات الإسرائيلية المتحصنة على الضفة الشرقية لقناة السويس. تمثلت خطة الشاذلي في تحقيق أقصى قدر من التنسيق بين القوات البرية والجوية والبحرية لضمان النجاح.

تنفيذ خطة العبور

في يوم 6 أكتوبر 1973، بدأت القوات المصرية هجومها على القوات الإسرائيلية في سيناء. كانت العملية نجاحاً مذهلاً، حيث تمكن الجيش المصري من اجتياز قناة السويس وتحطيم خط بارليف، الذي كان يُعتبر حصناً منيعا. كانت هذه الضربة مفاجأة للإسرائيليين والعالم، وأعادت للأمة العربية ثقتها بعد هزيمة 1967.

الخلافات مع القيادة السياسية

ورغم النجاح الأولي للحرب، بدأت الخلافات تظهر بين الشاذلي والرئيس السادات حول إدارة الحرب. كان الشاذلي يعارض بشدة قرار السادات بوقف إطلاق النار والبدء في مفاوضات سياسية في وقت كانت فيه القوات المصرية تحقق مكاسب على الأرض. كان يعتقد أن استمرار العمليات العسكرية كان يمكن أن يحقق نصراً أكبر ويؤدي إلى تحرير كامل سيناء.

عندما قرر السادات تحريك جزء من القوات المصرية شرقاً نحو المضايق الجبلية في سيناء (الثغرة)، حذر الشاذلي من هذا التحرك، معتبرًا أنه قد يؤدي إلى تعرض القوات المصرية لهجوم مضاد من قبل القوات الإسرائيلية. ومع ذلك، لم يأخذ السادات بنصائح الشاذلي، مما أدى إلى حدوث ثغرة الدفرسوار، والتي استغلتها القوات الإسرائيلية لشن هجوم مضاد.

إقالته من منصب رئيس الأركان

في ديسمبر 1973، وبعد أن تأزمت الخلافات بينه وبين السادات، تم إعفاء الشاذلي من منصبه كرئيس لأركان حرب القوات المسلحة المصرية. تم تعيينه لاحقاً سفيراً لمصر في إنجلترا ثم البرتغال، لكن الشاذلي شعر بأن هذه المناصب كانت محاولة لإبعاده عن الساحة العسكرية والسياسية.

فترة المنفى وكتاب "مذكرات حرب أكتوبر"

بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل في عام 1978، والتي عارضها الشاذلي بشدة، غادر إلى الجزائر حيث عاش في المنفى لعدة سنوات. خلال فترة منفاه، كتب الشاذلي كتابه الشهير "مذكرات حرب أكتوبر"، والذي سرد فيه تفاصيل الحرب من وجهة نظره وانتقد بشدة قرارات القيادة السياسية، وخاصة السادات.

في الكتاب، قدم الشاذلي رواية مفصلة عن الخلافات التي نشأت بينه وبين السادات خلال الحرب، وأوضح موقفه من الثغرة وكيف أنها كانت كارثة استراتيجية أدت إلى تقويض المكاسب العسكرية التي حققتها القوات المصرية في الأيام الأولى للحرب.

 عودته إلى مصر ومحاكمته

في عام 1992، بعد 14 عاماً من المنفى، قرر الشاذلي العودة إلى مصر. ولكن فور وصوله تم اعتقاله وتقديمه للمحاكمة العسكرية بتهمة إفشاء أسرار عسكرية في كتابه "مذكرات حرب أكتوبر". حُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، قضى منها حوالي عام ونصف قبل أن يتم الإفراج عنه بسبب حالته الصحية.

تكريم الشعب المصري له

رغم المحن التي واجهها الشاذلي خلال مسيرته، إلا أنه ظل يحظى باحترام كبير من قبل الشعب المصري، الذي اعتبره بطلاً قومياً ورمزاً للشجاعة والكرامة العسكرية. بعد الإفراج عنه، عاش الشاذلي حياة هادئة بعيداً عن الأضواء حتى وفاته في 10 فبراير 2011، في السنوات الأخيرة، بدأت وسائل الإعلام وبعض المؤسسات العسكرية في إعادة تقييم دور الشاذلي في حرب أكتوبر، حيث تم منحه التكريم الذي يستحقه. تم إعادة نشر كتابه "مذكرات حرب أكتوبر"، واعتبره الكثيرون وثيقة هامة تكشف عن العديد من الحقائق الخفية حول الحرب.

إرث سعد الدين الشاذلي

ترك اللواء سعد الدين الشاذلي إرثاً عسكرياً وسياسياً عميقاً في مصر والعالم العربي. كان رمزاً للتفاني والشجاعة والولاء للوطن، ورغم التحديات التي واجهها، ظل مخلصاً لمبادئه. يعتبره الكثيرون العقل المدبر وراء الانتصار المصري في حرب أكتوبر، ورغم الخلافات التي نشأت بينه وبين القيادة السياسية، فإن مساهماته في تحقيق النصر لا يمكن إنكارها.

لقد أثبت الشاذلي من خلال مسيرته أن القادة العسكريين العظماء ليسوا فقط من يقودون الجيوش في المعارك، بل هم أيضاً من يتحلون بالشجاعة للدفاع عن مبادئهم حتى في وجه التحديات والضغوط. رحل الشاذلي عن عالمنا، لكنه ترك خلفه إرثاً يظل حاضراً في قلوب المصريين والعرب.

تعليقات