السياسة المصرية الحالية…تحديات داخلية وتحولات إقليمية في ظل الإصلاحات الاقتصادية والأمنية

 **سياسة مصر الحالية: تحليل شامل**
تعتمد السياسة الحالية في مصر على عدة محاور رئيسية تتمثل في التوازن بين القوى الداخلية،و العلاقات الدولية، الوضع الاقتصادي، والأمن القومي. منذ أن وصل الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم في عام 2014، بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في 2013 عقب موجة كبيرة من الاحتجاجات الشعبية، مرّت مصر بتحولات سياسية، أمنية، واقتصادية كبيرة تغيرت بعدها العمل السياسي و الاستراتيجي للبلاد.
وكالة الفيزا نيوز| السياسة المصرية الحالية تحديات داخلية و تحولات إقليمية في ظل الإصلاحات الاقتصادية و الأمنية


 **النظام السياسي في مصر**

النظام السياسة المصرية يعتمد على جمهورية شبه رئاسية، حيث يجمع الرئيس بين صلاحيات كبيرة في إدارة الدولة إلى جانب وجود سلطة تشريعية وتنفيذية. تمتد صلاحيات الرئيس لتشمل قضايا الأمن القومي، السياسات الخارجية، والقضايا الاقتصادية الكبرى. يعين الرئيس الحكومة والوزراء، كما يمكنه حل البرلمان في حالات استثنائية بناءً على موافقة الشعب.
الرئيس السيسي أعاد ترسيخ القوة التنفيذية في يده، واستطاع تحقيق استقرار سياسي نسبي في مصر بعد سنوات من الاضطراب السياسي والانقسام الشعبي الذي بدأ مع ثورة 25 يناير 2011. وعلى الرغم من تحقيق الاستقرار السياسي، إلا أن النظام السياسي يواجه تحديات من المعارضة، خاصة فيما يتعلق بالمشاركة الشعبية، حقوق الإنسان، وحرية التعبير.

 **المشهد البرلماني والمؤسسات التشريعية**

البرلمان المصري يتألف من غرفتين: مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وقد تم تفعيل مجلس الشيوخ في 2020 بعد غياب دام لعدة سنوات. يُعتبر البرلمان الهيئة التشريعية في البلاد، وهو مسؤول عن سن القوانين والموافقة على الميزانية والمساءلة الحكومية وحقوق الشعب. 
أغلبية مقاعد البرلمان تسيطر عليها أحزاب داعمة للرئيس، أبرزها "حزب مستقبل وطن"، مما يعزز من قدرة السلطة التنفيذية على تمرير التشريعات بسلاسة وسن القوانيين دون الاعتراض من الشعب. ومع ذلك، تعاني الحياة السياسية المصرية من ضعف المعارضة المنظمة، حيث تشتكي المعارضة من تضييق الحريات السياسية والإعلامية و الاعتقالات السياسية في البلاد.

**حقوق الإنسان وحرية التعبير**

ملف حقوق الإنسان في مصر يعتبر من أكثر الملفات إثارة للجدل على المستوى المحلي والدولي. تشير التقارير الدولية إلى وجود انتهاكات تتعلق بحرية التعبير واعتقال المعارضين، الاحتجاز التعسفي، والتعذيب. على الرغم من إعلان الحكومة عن التزامها بتحسين أوضاع حقوق الإنسان، وطرح استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان في 2021، إلا أن الانتقادات تستمر من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية والمحلية.
تمثل قضايا الصحافة وحرية التعبير تحديًا كبيرًا، حيث تعرض العديد من الصحفيين والنشطاء للسجن بتهم تتعلق بالأمن القومي أو نشر أخبار كاذبة. هذا المناخ السياسي المقيد يُعتبر تحديًا أمام الإصلاحات السياسية والاجتماعية التي ينادي بها بعض الأطراف وأنها سوف تؤثر بسلب علي الاقتصاد المصري.

**السياسة الاقتصاد المصري**

الاقتصاد المصري يمثل تحديًا كبيرًا للحكومة الحالية. بعد فترة طويلة من الركود الاقتصادي بسبب الثورات والتحولات السياسية، بدأت الحكومة المصرية بتنفيذ إصلاحات اقتصادية قاسية منذ 2016 بالتعاون مع صندوق النقد الدولي. تضمنت هذه الإصلاحات تحرير سعر صرف الجنيه المصري، خفض الدعم الحكومي، وزيادة الضرائب وارتفاع الأسعار بشكل جنوني وهذه اده الي وجود أزمة اقتصادية في عهد السيسي.
ورغم هذه الإصلاحات، التي هدفت إلى تحسين الوضع المالي للدولة، إلا أنها أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، مما زاد من معاناة المواطنين خاصة الطبقة المتوسطة والفقراء. في المقابل، تدافع الحكومة عن هذه الإصلاحات باعتبارها ضرورة لاستعادة الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل.
تم إطلاق مشاريع قومية كبيرة مثل مشروع العاصمة الإدارية الجديدة وتوسعة قناة السويس وغيرها من المشاريع التي تهدف إلى جذب الاستثمارات وتوفير فرص عمل. مع ذلك، يتساءل البعض عن جدوى هذه المشاريع ومدى تأثيرها المباشر على تحسين مستوى معيشة المواطنين.

**السياسة الخارجية المصرية**

تلعب مصر دورًا مركزيًا في السياسة الإقليمية والدولية، وذلك بحكم موقعها الاستراتيجي وتأثيرها في القضايا العربية والدولية. تعتمد السياسة الخارجية المصرية على تحقيق التوازن بين القوى الكبرى، وضمان استقرار النظام الإقليمي.
1.**العلاقات مع الدول العربية**
تعتبر العلاقات المصرية مع الدول العربية، وخاصة دول الخليج، ذات أهمية كبيرة. تربط مصر علاقات وثيقة مع السعودية والإمارات، حيث تلعب هذه الدول دورًا مهمًا في دعم الاقتصاد المصري ماليًا من خلال الاستثمارات والمنح المالية. كما تعتبر مصر جزءًا أساسيًا من التحالف العربي الذي يشارك في عدة ملفات مثل الملف اليمني والصراع ضد الإرهاب وإقامة الدولة ذاتية ذات سلطة وقوي.
2. **العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا**
تُعد الولايات المتحدة شريكًا استراتيجيًا لمصر، خاصة فيما يتعلق بالتعاون العسكري. تحصل مصر على مساعدات عسكرية سنوية من واشنطن، وتعتبر العلاقة بين الجانبين متينة رغم وجود بعض التوترات المرتبطة بملفات حقوق الإنسان لان المعارضين داخل السجون المصرية.
العلاقات مع الاتحاد الأوروبي قوية، حيث يعد الاتحاد أكبر شريك تجاري لمصر. يسعى الاتحاد الأوروبي لدعم استقرار مصر، خاصة في ظل الأزمات المرتبطة بالهجرة غير الشرعية، الإرهاب، والتوترات في الشرق الأوسط.
3. **العلاقات مع روسيا والصين**
شهدت العلاقات المصرية مع روسيا والصين نموًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة. تعمل مصر على تعزيز التعاون الاقتصادي والعسكري مع روسيا، كما تلعب الصين دورًا متزايدًا في الاقتصاد المصري من خلال استثمارات كبيرة في البنية التحتية والطاقة. تحاول مصر تحقيق توازن بين علاقاتها مع هذه القوى الكبرى لضمان عدم الاعتماد بشكل كامل على قوة واحدة.

**الأمن القومي ومحاربة الإرهاب**

الأمن القومي يمثل أولوية قصوى للحكومة المصرية. بعد سنوات من عدم الاستقرار وانتشار الجماعات الإرهابية في سيناء وبعض المناطق الأخرى، تمكنت القوات المسلحة المصرية من تحقيق نجاحات كبيرة في مواجهة هذه الجماعات من خلال عمليات عسكرية موسعة.
ورغم التقدم في هذا الملف، إلا أن الوضع الأمني في سيناء لا يزال يمثل تحديًا. تستمر القوات المسلحة في مكافحة التنظيمات الإرهابية، ولكن الحكومة تواجه تحديات كبيرة فيما يتعلق بتحقيق التنمية الشاملة في سيناء ودمج سكانها في الاقتصاد الوطني.

**الملف المائي وأزمة سد النهضة**

أحد أبرز القضايا الاستراتيجية التي تواجه مصر هو ملف سد النهضة الإثيوبي. يشكل السد تهديدًا لأمن مصر المائي حيث تعتمد البلاد بشكل أساسي على مياه النيل. دخلت مصر في مفاوضات طويلة الأمد مع إثيوبيا والسودان حول قواعد ملء وتشغيل السد، ولكن حتى الآن لم يتم التوصل إلى اتفاق ملزم.
تحاول مصر استخدام القنوات الدبلوماسية الدولية لحل هذه الأزمة، إلا أن الملف لا يزال يمثل تحديًا كبيرًا للقيادة المصرية التي أكدت في أكثر من مناسبة أنها لن تسمح بأي تهديد لأمنها المائي ويشكل خطر علي الأمن القومي المصري.

**التحديات الاجتماعية في مصر**

التحديات الاجتماعية في مصر تشمل العديد من القضايا مثل الفقر، البطالة، وتدهور الخدمات العامة. نسبة الفقر في مصر تجاوزت 29% من السكان وفقًا لتقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو ما يعكس مدى تأثر الطبقات الفقيرة بالإصلاحات الاقتصادية.
البطالة أيضًا تمثل تحديًا، خاصة بين الشباب، حيث تسعى الحكومة لخلق فرص عمل من خلال مشاريع قومية واستثمارات في البنية التحتية، ولكن تأثير هذه السياسات لا يزال محدودًا في تحقيق تحسينات سريعة.
التعليم والصحة هما أيضًا ملفان بحاجة إلى إصلاحات جذرية. بالرغم من جهود الحكومة لتحسين نظام التعليم من خلال استخدام التكنولوجيا وتحديث المناهج، إلا أن جودة التعليم لا تزال تحتاج إلى تحسين كبير. في مجال الصحة، تواجه الحكومة تحديات تتعلق بتوفير خدمات صحية متكاملة للمواطنين رغم الجهود المبذولة لتحسين البنية التحتية الصحية.

الخاتمة

تعيش مصر في مرحلة من التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكبيرة، وتسعى لتحقيق استقرار داخلي وتنمية اقتصادية مستدامة. ورغم النجاحات التي حققتها الحكومة في بعض الملفات، لا تزال التحديات قائمة، خاصة فيما يتعلق بتحسين مستويات المعيشة، تعزيز الحريات السياسية، وحل الأزمات الإقليمية التي تؤثر على الأمن القومي المصري.
تعليقات